مدونــة البحـــر

السبت، ٦ يونيو ٢٠٠٩

هل يمكن أن تصاحب نصرانيا ؟ الجزء الثاني


أثارت "التدوينة السابقة" الكثير من التفسيرات الخاطئة نتيجة سوء الفهم من البعض وسوء التعبير مني ، لذا ارتأيت أن اكتب مجدداً لتوضيح ما التبس فهمه وتفسيره



ما أردت أن أقوله و إيصاله في التدوينة السابقة –وقد فهمه الكثير كما تظهر من تعليقاتهم – هو أن حدود تعاملنا مع النصارى تتلخص في آيتين جامعتين كما قال عن ذلك الشيخ العلامة يوسف القرضاوي ، وهما جديرتان بأن تكونا دستوراً في هذا الشأن وهي : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ** إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) سورة الممتحنة .. 8،9



الآية الأولى لم ترغب في العدل والإقساط فحسب إلى غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين، ولم يخرجوهم من ديارهم -أي أولئك الذين لا حرب ولا عداوة بينهم وبين المسلمين- بل رغبت الآية في برهم والإحسان إليهم ، والبر كلمة جامعة لمعاني الخير والتوسع فيه ، فهو أمر فوق العدل .. انتهى كلام الشيخ يوسف القرضاوي




وليس معنى ذلك أن نكن لهم حباً و وداً في قلوبنا ، لأن الحب والبغض في حياة المسلم يجب ألا يُصرف إلا لله وفي الله ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (( أي عرى الإيمان أوثق ؟ )) ، قال : الله ورسوله أعلم ، قال: ((الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله))



ومما يتوجب علينا الإيمان به الحديث الشريف الذي يقول : (( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) [صحيح مسلم]



المعنى والمقصد والهدف الإجمالي يتلخص في أننا يجب علينا ألا نتطرف يميناً ولا يساراً

فالتطرف اليميني : هو عدم البر والإحسان إليهم ، ويتمثل ذلك في مضايقتهم ومقاطعتهم وعدم مساعدتهم في أمورهم المعيشية التي لم ينهانا إسلامنا عن مساعدتهم فيها ، بل انه –وللأسف- يظن فاعل هذه الأمور انه يتقرب إلى الله بإيذائهم ، وهذا غير صحيح



والتطرف اليساري : يتمثل في إزالة كاملة للحدود والحواجز التي يجب أن توجد بيننا وبين أي مخالف لنا في الدين والعقيدة ، فيحبهم ويواليهم وقد يؤمن ببعض معتقداتهم إمعاناً في التساهل واللامبالاة ، وهذا مرفوض تماماً

أعجبتني الكثير من التعليقات على الموضوع السابق ممن اعتقد أن فهمهم لأصل الموضوع متطابق مع ما أردت أن أقوله ومنهم


دكتور ياسر عبد الفتاح : المشكلة بقي إن فيه ناس بتقفله قفلة سودة .. ويعاملوهم بمنتهي السوء وقلة الذوق وقلة الدين .. وناس بتفتحها علي البحري خالص وكأنهم مسلمين .. وطبعاً الاثنين مينفعوش

أم جنى : نحن لا نكره النصارى كما يصور البعض .. ولكن بالعكس نحن نشفق عليهم ونتمنى لهم الخير والسعادة بمعرفة دين الله عز وجل


الدكتور علي خميس : لو أن هذه الصداقة تميل نحو حسن العشرة و الزمالة فأهلا و سهلا و هي من أفضل طرق الدعوة و إظهار عظمة الإسلام العادل ، و إن كانت تميل نحو الأخوة ( و الأنتيم ) يبقى اعتقد في منها قلق



الأستاذة ماجدة المعداوي : فالإحسان إليهم وبرهم بدون إفراط أو تفريط واجب علينا


الأستاذ محمد سعد القويري : يجب أن تكون العلاقة مع النصراني علاقة روتينية ظاهرية وليست متعمقة وهذا نأخذه من نفس الأمثلة التي ذكرتها ، فعندما مرض اليهودي زاره .. وهذا لا يعني أنه زائر دائم .. أي أن تكون العلاقة مع هؤلاء علاقة عمل وزمالة فقط لا غير



دكتورة سول : في أعمال القلب و أعمال الجوارح ، أعمال القلب دي زى الولاء و البراء و الاستعانة و الاستغاثة وحدودها لا تتجاوز قلبي ، أما أعمال الجوارح من البر و القسط و المعاملة الحسنة فهذه تصرف لك الناس



الباشمهندس حسام الدين : فارقٌ بين ما أجازه الشرع من المعاملة الحسنة والبر والعدل .. وبين ما لم يجزه من المودة والموالاة والمخالة والصداقة

انتهت أقوال وتعليقات المدونين الفضلاء





ومن أمثلة البر والعدل للنصارى من زمن سلفنا الصالح ، أن الإمام الأوزاعي وقف مع جماعة من أهل الذمة في لبنان ضد الأمير العباسي قريب الخليفة


وقد رأينا الإمام ابن تيمية يخاطب "تيمور لنك" في فكاك الأسرى عنده ، فيفرض عليه أن يفك أسرى المسلمين وحدهم ، فيأبى إلا أن يفرج عن أهل الذمة معهم



أعجبتني ثلاثة جمل ذهبية قالها الشيخ العلامة يوسف القرضاوي في فتواه بهذا الخصوص

يقول في الأولى

إن هؤلاء الجهال والحمقى ممن يتعصبون ضد مخالفيهم في الدين، ويسيئون التعامل معهم بلا مبرر، وينتهي ببعضهم الغلو إلى استباحة أموالهم أو دمائهم ، هؤلاء لم يسلم من أذاهم أيضًا إخوانهم في الدين من المسلمين ، بل هم يبدأون بالتطاول عليهم، والاتهام لهم في إيمانهم وتدينهم، إلى حد قد ينتهي بتكفيرهم وإخراجهم من الملة والتقرب إلى الله باستباحة حرماتهم، وهذا ما يفعله الغلو والتنطع بأهله.
وهذا ما رأيناه في الخوارج قديمًا، ولمسناه في خلفائهم حديثًا، ومبعث ذلك هو الغرور الخفي، والعجب القاتل، الذي يجعل صاحبه ينظر إلى نفسه أنه مَلَك، وأن الآخرين كلهم شـياطين. والإعجاب بالنفس أحد المهلكات

والثانية يقول فيها

إن المسلم ليس مكلفًا أن يحاسب الكافرين على كفرهم، أو يعاقب الضالين على ضلالهم، فهذا ليس إليه، وليس موعده هذه الدنيا، إنما حسابهم إلى اللّه في يوم الحساب، وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين، قال تعالى : (وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون ** اللّه يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون)


أما عن الثالثة فيقول


إيمان المسلم بأن اللّه يأمر بالعدل، ويحب القسط، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ولو مع المشركين، ويكره الظلم ويعاقب الظالمين، ولو كان الظلم من مسلم لكافر. قال تعالى : (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).(المائدة: 8).



ونختم بوصايا نبوية بنصارى مصر خاصة ، فقد جعل رسول الله لهم شأن خاص ومنزلة متميزة، فقد أوصى بهم رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- وصية خاصة، يعيها عقل كل مسلم، ويضعها في السويداء من قلبه


فقد روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- أوصى عند وفاته فقال: "الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل اللّه" .. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/62 ، وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح

وقد صدق الواقع التاريخي ما نبأ به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد رحب الأقباط بالمسلمين الفاتحين، وفتحوا لهم صدورهم، رغم أن الروم الذين كانوا يحكمونهم كانوا نصارى مثلهم، ودخل الأقباط في دين اللّه أفواجًا، حتى إن بعض ولاة بني أمية فرض الجزية على من أسلم منهم، لكثرة من اعتنق الإسلام ، وغدت مصر بوابة الإسلام إلى إفريقيا كلها، وغدا أهلها عدة وأعوانًا في سبيل الله

وقال رسولنا الكريم أيضا : "إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما" أو قال : "ذمة وصهرا". (الحديث بروايته في صحيح مسلم رقم (2543) باب وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بأهل مصر، وفي مسند أحمد 5/174).

***
the newest .. on satter wa7ed .. here


posted by أحمد سعيد بسيوني at ٨:١٨ م

7 Comments:

ايوه كده فرحنى

عاقل جدا كلامك يا بيسو

وعشان كده أنا أتشرف إن أبقى أول تعليق على الكلام الموزون دا

هو دا فعلا الكلام لا للتطرف مرحبا بتطبيق الشرع كما أنزله الشارع من غير زيادات تجميلية من وجهة نظر العوام

تقبل تحياتى

٦ يونيو ٢٠٠٩ في ١٠:٢٢ م  

جزاك الله خيراً علي الإضافة والتوضيح
لأن البوست الأول يمكن يكون اتفهم غلط

أكرمك الله
شكراً علي المتابعة

٦ يونيو ٢٠٠٩ في ١٠:٢٤ م  

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخى د / أحمد
جزاك الله خيرا على التناول المفيد جدا ..
مجهود مشكور و مأجور إن شاء الله..
و جزى الله فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى عنا كل خير


* هو انت أضفتنى عندك فى الياهو ...لو انت قلى علشان كنت عايز اكلمك فى حاجة مش على الهوا....ههههه سر يعنى!!!

بارك الله فيك أخى الكريم
تقبل تحياتى

٦ يونيو ٢٠٠٩ في ١١:٥٦ م  

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ربنا يبارك لك يارب يا دكتور
و فعلا اضافة مميزة

و أوضحت المقصود من الكلام تماما



دمت بود

٧ يونيو ٢٠٠٩ في ٨:٠٥ ص  

السلام عليكم ورحمة الله
ازيك يا احمد انا متأخر كتير في الرد
أنا كنت متابع الموضوع من الأول وكان لي رأي وخفت لو جيت أقوله الكلام يخوني بس هقوله والله المستعان
هو فيه آيتين
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
(51) سورة المائدة
..................
والآيه التانية
بسم الله الرحمن الرحيم
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين
................
بيتهيألي الحلقة المفقودة في الكلام اننا نعرف ان الآيتين مش عكس بعض
لان البر والقسط مش عكس الموالاة
يعني البر بمعني المعاملة الكويسة والقسط بمعني العدل
انما الموالاه بمعني ان أنا أنصر حد على حد يعني أبقي ولي لحد على حساب حد
حتى ربنا بيوضحهالنا في آية تانية
ويقول(من دون المؤمنين) يعني انا اعامله بالحسني وبالبر انما مش على حساب ديني
هي دي فكرتي
على فكرة الشيخ الشعراوي كان ليه صاحب مسيحي من صغره
ولما إتسأل قال نفس المعني ده تقريبا
شكرا على طرحك للقضية يا ابوحميد

٧ يونيو ٢٠٠٩ في ١:٢٩ م  

الأخ الفاضل :: أحمد سعيد بسيوني ::
بعد التحية

الوسطية
وعدم التطرف
والمقولات الثلاثة للدكتور يوسف القرضاوي

أتفق كثيرًا مع هذا الطرح

دمت متألقًا

٨ يونيو ٢٠٠٩ في ١٠:١٦ ص  

السلام عليكم ورحمة الله... وبعد

فأعتقد أن الكلام من حيث التنظير صحييييييييييييييح جدا

وأما من حيث التوقيت ففيه نظر


ونحن أولا وآخرا

مسلموووووووون وبلا حدوووووووود


والله معك

٨ يونيو ٢٠٠٩ في ٢:٠٢ م  

إرسال تعليق

<< Home