مدونــة البحـــر
الجمعة، ١٨ يونيو ٢٠١٠
غرزة في محشش
كان شاباً في العشرينات من العمر ، يرتدي ملابس أنيقة ، تُظهر تفاصيل جسمه الرياضي
نظر إلى البالطو الذي أرتديه ، ثم مد لي بذراعه مبيناً جرح قطعي بطول 5 سم قائلاً : اتعورت
ما كاد يفتح فمه حتى إنبعثت منه رائحة كريهة
قلت : أيوة ، اتعورت إزاي بدأ لي أنه كان سؤالاً مباغتاً تماماً بالنسبة له ، فكر قليلاً وقال : إزازة
نظرت للجرح وإلى حوافه الحادة تماماً وقلت : لا دي مش إزارة
تفاجأ بالرد وقال : لا إزارة يا دكتور
غيرت مجرى الحديث متسائلاً : إنت بتشتغل إية
رد : إية يا عم ، ده تحقيق ولا إية بصوت عالي عنيف : أيوة تحقيق ، مش في تقرير طبي هيكتب
قال : سواق تاكسي
كتبت بعض الكلمات على ورقة صغيرة وأعطيتها إياه : هاتلنا الحاجات دي من بره
قال : هتتكلف كام ؟؟
قلت : يعني 15 ، 20 جنيه
قال : مامعياش غير خمسة جنيه
قلت : إتصل بحد يجبلك فلوس ويجي
أخرج موبايله ، ضاغطاً على بعض الأرقام ، ثم : ممعاياش رصيد يا دكتور
أنا : اعملك إية ، اتصرف
مد لي يديه بالموبايل : حتى اسمع يا دكتور والله ما معايا رصيد ، وبعدين مافيش حد ممكن أكلمه
أخذت التذكرة ، كتبت عليها خيط حرير -أقل كفاءة- ، متواجد في صيدلية المستشفى
بعد إعطاءه البنج ، رأينا أنها كانت خطوة لا قيمة لها بالنسبة لشخص مثله ، فقد كان في حالة شبة لاوعي
أذكر يومها أنه شارك في حياكه الجرح أربعة من الزملاء ، بمُعدل غرزة لكل زميل ، وقد كانوا الأربعة يخيطون لأول مرة
بعد الإنتهاء من الخياطة ، نبهته : فوق يا محمد ، خلصنا خلاص
كانت الهزات عنيفة وكنت أقصد ذلك ، فقال : إنت بتعاملني كده ليه يا دكتر؟؟
قلت : إنت مش عارف ليه
قال: عشان بأضرب يعني
قلت : كويس إنك عارف
ثم اتبعت : عاوزك على إنفراد بره
غطينا الجرح وربطناه ، وفي الخارج : إنت صح يا دكتور ، دي مش إزازة ، أنا اللي معور نفسي بموس ، أنا يا دكتور طالع من السجن من فترة ومش لاقي شغل خالص بسبب دي
وأشار إلى ندبة كبيره تعلو وجهه
قص علينا قصته من إضطهاد الأهل له بسبب فشله في التعليم وفي إيجاد فرصة عمل ومن معاداه المجتمع له او هذا ما كان يتصوره
نصحناه وأرشدناه إلى ما يمكنه فعله ، وعرض عليه أحد الزملاء بعض الأعمال التى من الممكن أن يقوم بها ، وقبل أن ينصرف أضحكناه عندما علم بماهيه المرتب العظيم الذي نستلمه نهاية كل شهر
بعدها بأيام طالعتنا الصحف بخبر القبض على خمسة مدرسين وهم يتعاطون الحشيش في إحدى المدارس .. أجدني أجد لك العذر الآن أيها العاطل محمد
الجمعة، ٤ يونيو ٢٠١٠
ولكنه ضحك كالبكاء
1
2
3
4
الخميس، ٤ فبراير ٢٠١٠
ثلاث سنوات .. وعشرون
في هذا اليوم ..4/2/2010م.. تحول الرقم في خانة العمر في بروفايل المدونة من 22 إلى 23
وفي هذا اليوم أيضاً يكون قد اكتمل على إنشاء هذه المدونة 365 يوم + 365 يوم + 365 يوم
وبهذه التدوينة يكتمل عدد 200 تدوينة على صفحات هذه المدونة
حصاد العام .. خلال أيام
الثلاثاء، ٢ فبراير ٢٠١٠
سكينة ربانية
سلسلة خواطر ومواقف تحكى لأول مرة في الذكرى الأولى للعدوان على غزة
كان عمري حينها يناهز السبع سنوات ، عندما كنا نقيم في مدينة "تعز" اليمنية ، عندما قام بعض المتمردين بمحاولة إنفصال بالجزء الجنوبي من الدولة المستقرة
استمرت الحرب لأيام قليلة ، وكان مدينتا بعيدة نسبياً عن خط المواجهة ، ولكنها لم تسلم تماماً من سقوط صاروخ هنا أو قذيفة هناك على تخوم المدينة
أذكر أنه في أحد الأيام سقط صاروخ على "جبل صبر" المطل مباشرة على المدينة ، والذي يبعد عن بيتنا مئات الأمتار فقط
كطفل صغير ، كنت أشعر برعب حقيقي طوال فترة الحرب ، وكنت أستيقظ مرات عديدة ليلاً على كوابيس مزعجة ، واستمرت معنا هذه الحالة النفسية السيئة حتى بعد انتهاء الحرب بشهور
أذكر هذه المواقف بعد مرور سنوات عليها ، وبعد مرور سنة على العدوان الصهيوني على غزة ، وأتعجب كل العجب من "صبر" و "جلد" أطفال غزة ، الذين كانت تسقط عليهم الصواريخ بأوزانها الثقيلة ، والقنابل بأصواتها المفجعة ، وأتخيل مدى الحالة النفسية السيئة التى مروا بها خلال حرب كهذه
ولكن عندما نعلم أن سكينة الله ورحمته كانتا تتنزل على أطفال غزة ، أبناء وأحفاد الشهداء يختفي عجبنا ويزول ، فسبحانه هو المثبت حين المصائب وهو المعين على تحمل أهوالها وتبعاتها
يقول تعالى في سورة الفتح : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً
السبت، ٢٣ يناير ٢٠١٠
أحبك محشش متحرش
من أرض الحرب 2 .. أحبك محشش متحرش
كانت مظاهرتنا يومئذ في ميدان التحرير بالقاهرة
ذهبنا قبل الموعد المحدد بساعات ، خشية إغلاق مداخل القاهرة كما يحدث عادة عند علمهم بتنظيم مظاهرة كبيرة
وصلنا للمكان المحدد ، ظللنا نتمشى في الشوارع المجاورة للميدان ، مع تواجد كثيف لأفراد الأمن برتبهم المختلفة
مررنا أثناء تجولنا بـ "مدرسة بنات ثانوي" ، وقد اصطف على ناصية الشارع عشرات الشبان ، بإنتظار خروج البنات لبدء مرحلة من "البصبصة" والمعاكسة والتحرش
تعبنا من المشي ، فاسترحنا قليلاً في إحدى "القهاوي" ، حيث التدخين والشيشة والمكيفات
وكأننا كنا في مأمن في الأماكن السابقة ، فبعد خروجنا بقليل ، كان الجو قد تكهرب أكثر مع اقتراب ساعة الصفر
كنت أعبر الميدان بإتجاه محطة المترو ، عندما استوقفني أحد الضباط مستفسراً عن "البطاقة" ، أخبرته أني طالب بكلية الطب و "مروح" ، أعطاني بطاقتي قائلاً : اتفضل يا دكتر
كانت الحشود الأمنية قد ملأت المكان تماماً ، ولم تعد هناك أي فرصة للقيام بالتظاهرة السلمية ، فتم نقلها لمكان آخر
بهذا التصرف من النظام البوليسي الحاكم يوجه للشباب رسالة فحواها : "أحبك محشش متحرش ، غير ذلك فليس لك عندي إلا الحديد والعصا"