مدونــة البحـــر

الجمعة، ١٦ فبراير ٢٠٠٧

عماله طفل في العصر المباركي




عماله طفل - قصة قصيرة
كانت الساعة قد جاوزت منتصف الليل بدقائق قليلة ، بينما كنت أقف على الطريق الرئيسي المؤدي إلى بلدتنا
كنت في زيارة إلى المدينة وتأخرت بسبب بعض الظروف الطارئة ، وعندما ذهبت إلى موقف السيارات وجدته خالياً تماما في تلك الليلة البادرة من إحدى ليالي الشتاء الطويلة

كان رذاذ المطر يتساقط بهدوء على الطريق الرئيسي الخالي تماماً من السيارات إلا فيما ندُر ، وقد كنت اشعر ببرودة خفيفة تسري في جسدي برغم أكوام الثياب التي كانت تغطيني


مرت نصف ساعة وأنا لم ابرح مكاني واقفاً وداعياً ومتضرعاً إلى الله سبحانه وتعالى أن يرسل إلى الفرج وإلا سأضل طوال الليل في مكاني منتظراً طلوع الفجر


لمحت أضواء خافته تأتي من بعيد وهي تقترب بسرعة كبيرة ، اقتربت السيارة أكثر حيث صارت في مرمى البصر فاتضحت ملامحها ، كانت سيارة ميكروباص صغيرة ولكنها للأسف كانت ممتلئة ، ولكني أشرت لها بالتوقف مُمنياً نفسي بمكان شاغر فيها ، ولدهشتي الكبيرة توقفت السيارة بعد تجاوزها لي ببضع خطوات ، جريت عليها وفتحت الباب فوجدت كرسي فارغ خلف السائق مباشرة


بعد بضع دقائق من صعودي إلى السيارة ، توقف السائق بها بغتة وهو يدير وجهه إلى جانب الطريق قائلاً

ً
- إيه اللي موقفك هنا لحد دلوقت يا محمد
- واقف مستني عربيه يا عمو
- تعالى ، اطلع اركب هنا مكان التباع


صعد محمد إلى السيارة ، كان طفل لا يتجاوز الـ12 ربيعاً ، ملابسه متسخة بالسواد وكذلك يديه ووجهه مما يدل على انه يعمل في ورشه حدادة ، كان منظره يدل على الفقر الشديد ، بينما كان ظاهراً عليه مظاهر البرد والإرهاق
اخرج الطفل نصف جنيه وأعطاها للسائق ، نظر إليه السائق رافضاً أن يأخذها وهو يقول


- عيب يا ابني ، حط فلوسك في جيبك ، بس أبقى سلم لي على بابا
- شكرا يا عمو


اثر في منظر الطفل جداً ، فتوجهت إليه بالسؤال


- اسمك إيه يا حبيبي
- محمد
- بس إيه اللي مأخرك بره البيت لحد دلوقت في الجو البرد ده
- كنت بأشتغل في الورشة واتاخرنا في الشغل النهاردة شوية
- أمال أبوك فين
- بابا ، مش عارف بس زمانه في البيت دلوقت ، ما هو أصلاً بيشتغل في ورشة تانية
- بس إيه اللي مخليك تشتغل الشغلانه دي
- بابا هو اللي جابني للمعلم صاحب الورشة ، وهو بيديني آخر اليوم 3 جنيه ، بأديهم لأبويا على طول أول ما أروح
- وهو بابا ما بيقلقش عليك لما تتأخر
- لا بيقلق ، بس أنا ما بتأخرش كل يوم ، هو النهارده بس


هززت رأسي متفهما لقول الطفل ، وفي أعماقي شعور كبير بالتعجب


ما الذي يدفع أب لإرسال ابنه وفلذه كبده إلى عمل صعب ومرهق كهذا !؟
ما الذي يدفع أب إلى أن يفقد حنانه وأبوته بهذا الشكل !؟


لم يطل تعجبي واندهاشي ، متذكراً الوضع الذي نعيشه والذي يعيش فيه أعداد هائلة من الشعب المصري ، ملايين المصريين يعيشون تحت خط الفقر ، مئات الآلاف من معدومي الدخل ومحدودي الدخل مما يضطرهم إلى العمل الإضافي ومما يضطرهم إلى إرسال أبنائهم إلى العمل وتركهم لمقاعد الدراسة ليساعدوا ولو بالقليل في تحمل أعباء الحياة الصعبة
الحياة التي يرذخ تحتها الشعب المصري من 26 عاماً في ظل الحكم المباركي الفاسد


الحكم الذي زاد الأغنياء تفحشاً وثراءً ، وعلى النقيض زاد الفقراء فقراً وجوعاً

الحكم البوليسي المتفرد ، الذي جعل مصر تتراجع على جميع الأصعدة سياسياً واقتصادياً ورياضياً


الحكم الظالم الذي يقيد الديمقراطية و يلغي الحريات

الحكم القامع لمعارضيه بأبشع الوسائل ، والذي يعتقل الأحرار والشرفاء من أبناء مصر ويرميهم في السجون ، بتهم ملفقة واهية وبأحكام عسكرية ظالمة


الحكم الحامي للمفسدين والقتلة والمزورين والبلطجية والمقيد لكل ما هو حر وشريف و
معاك على جنب هنا يا اسطى لو سمحت

نزل الطفل من السيارة ، بينما نظراتي مازالت تتبعه وصورته مرسومة في مخيلتي لم تمح
posted by أحمد سعيد بسيوني at ٣:٠٧ م

2 Comments:

والله قصه معبره للواقع الاليم اللي بنعبشه في الزمن ده بس هو بش عيب الزمن ده عيب الحكومه اللي سايبه الفساد معشش فيها من غير حساب ولا رابط ......ولنا الله

٢٥ فبراير ٢٠٠٧ في ٢:١٦ م  

بجد قصه مؤلمه ولكنها للاسف تعبر عن واقع يعيشه الاف الاطفال في ظل حكومه نظيف اللي مش مقصره في حاجه وقايمه بواجبها تالت ومتلت في تنظيف جيوب الناس الغلابه

٣ مارس ٢٠٠٧ في ٥:٥٢ م  

إرسال تعليق

<< Home